قضية النصب على السيدتين باسم الملك، وظاهرة المحاكم الشعبية على منصات التواصل الاجتماعي.
أثار الفيديو الذي ظهرت فيه سيدتان، تعرضتا لعميلة نصب واحتيال، تؤنبان رجلا في عقر دارهما، ضجة في أوساط وسائل التواصل الاجتماعي. وحسب ما تم تداوله من حوارات بين الشخوص الظاهرة في الفيديو، أن الرجل مشارك وشاهد في نفس الوقت على عملية نصب واحتيال على السيدتين. قام بها أحد زملاءه، يزعم قرابته من الملك. حيث حسب ما تدعيه السيدتان، أن الرجلين قد نصبا عليهما بمبلغ مالي قدره 80 مليون سنتيم، مقابل القيام بعملية – نصب أخرى على الدولة – لصالح السيدتين، لإعفائهما حسب ذات المصدر من أداء الضرائب.
وليس القصد هنا معاودة ما تداولته الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي، من حيثيات حول هذا الفيديو. بقدر ما يدفع موضوع هذه الواقعة، إلى الوقوف على ظاهرتين خطيرتين، أصبحتا متفشيتين في المجتمع المغربي.
الظاهرة الأولى تتعلق بالنصب والاحتيال باسم الملك، وإدعاء القرابة من جلالته. وهي الأكثر شيوعا في ايامنا هاته. حيث اصبحت لدى البعض سلوكا تقليديا، وجرأة وثقة في النفس، وهم يتحدثون إلى ضحاياهم باسم جلالة الملك. ويوهمونهم بقضاء مآربهم. والغريب في الأمر أن أكثر هؤلاء النصابين، لا يتمتعون بمركز اجتماعي أو حكومي، أو نفوذ أو سلطة. وبالرغم من ذلك، يستطيعون الإيقاع بفرائسهم بادعاء قرابتهم من الملك.
كما أن غالبية الضحايا هم بدورهم محتالون، ويرغبون في قضاء حاجاتهم ونيل مطالبهم، بالوساطة والزبونية، والتدخلات والتعليمات من الفوق. وقضاياهم غالبا ما تكون إما بهدف الوصول إلى حقوقهم بطرق غير مشروعة، وإما من أجل الالتفاف على المحاكم وتضليل الإدارات العمومية، للاستيلاء على حقوق الغير، أو الهروب من أداء الديون العمومية. كما هو الشأن في قضية الفيديو موضوع هذه المقالة. والذي يعترف فيه الشخص بقيامه بعملية النصب، ويفيد في ذات الآن تورط السيدتين في عملية الارتشاء، وتهمة الهروب من أداء الضرائب.
وثمة من يستغل صورته مع الملك، حظي بشرف أخذها مع جلالته، في إحدى محافل الأنشطة الملكية. إن أثناء التدشينات أو الاحتفلات الوطنية أو الزيارات المولوية. فيعمل على توظيفها في غير محلها. إما للتباهي أو للترهيب. وهناك من يصل به الأمر لحد الجنون، فلا يخلو حديثه عن اتصالاته بالملك. وتشاوره مع القصر، والتعليمات السامية، حتى أثناء تعامله مع عون سلط للحصول على عقد الازدياد، أوعندما يطلب منه شرطي المرور الإدلاء بوثائق سيارته، أو ما شابه ذلك.
وقد يتم قبول هوس هذه الظاهرة، على اعتبار أنها افتخار للشعب المغربي بملكه. والتباهي بشكل هذا الاعتزاز، مقبول إلى حد ما، إذا كان لا يثير قلقا أو يشكل عائقا. كاعتراض سبيل الموكب الملكي، من أجل التحية وتقبيل يد جلالته، أو تسليمه رسالة شخصية. فإنه يجب استعمال الصرامة وتشديد العقوبة، وعدم التساهل والصفح، مع كل من يستغل هذا العطف والحب والاحترام والتقدير المتبادل بين الملك وشعبه، وتوظيفه في الاحتيال على المواطنين والنصب عليهم باسم جلالته.
والظاهرة الثانية التي يتم استخلاصها من واقعة هذا الفيديو، هو تحويل منصات التواصل الاجتماعي إلى محاكم شعبية. حيث أصبح المواطن المتضرر، بدل لجوءه إلى المحاكم المختصة، للمطالبة بحقوقه ومحاكمة عادلة، من طرف الجهات المخول لها دستوريا القيام بذلك. يلجأ إلى استدراج المعتدين عليه، ومحاكمتهم بشكل شخصي، وتسجيل وتصوير اعترافاتهم، وبثها عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تصل هذه المحاكمة إلى حد الاحتجاز، ونزع الاعترافات تحت الإكراه والتهديد، والسب والقذف والضرب. كما هو الحال بالنسبة للشخص المعني بالنصب، الذي يظهر في الفيديو وهو يتعرض لوابل من القذف والسب، والصفع والدفع العنيف من طرف إحدى السيدتين. وقد تصل هذه المحاكمات المبثوثة على المنصات الافتراضية، إلى توظيف المتضررين لأساليب يدينها القانون والشرع والأخلاق، كزنى المحارم، للإيقاع بالمعتدين، وانتزاع اعترافاتهم وإقامة الحجة عليهم. كما هو شأن مع السيدة المتزوجة، التي استعملت جسدها للإيقاع بالقائد، وهو متلبسا بممارسة الجنس كرشوة.
وهذه الأساليب يجهل أصحابها العواقب الوخيمة المترتبة عليها. نتيجة عدم حسن توظيف الوسائل التكنولوجية الرقمية، في الدفاع عن حقوق المتضررين، وتحقيق العدالة والانصاف. فالمنصات الإلكترونية الاجتماعية، تعتبر سلاحا ذا حدين. فهي قد تفلح في الكشف عن الجرائم والمجرمين، وإعادة الحقوق إلى أصحابها. كما هو الشأن مع الطفلة الصغيرة غزل التي تم اختطافها مؤخرا، وأعيدت إلى عائلتها. أو صاحب الدراجة النارية الثلاثية الدفع، الذي اعتدى شرطي المرور على كرامته، فاستعاد حقه واحترامه. وقد تتسبب ايضا هذه المنصات الرقمية للتواصل الاجتماعي، في جعل وتحويل أصحاب الحقوق إلى متورطين ومجرمين. كالحالات التي تم استعراضها آنفا، على سبيل المثال لا الحصر.
والظاهر، أن تفشي ظاهرة المحاكم الافتراضية، أصبحت تطرح أكثر من علامة استفهام. هل تنم عن دافع الحقد والانتقام؟ أولا تعدو عبارة عن ردة الفعل؟ أو إشباع الرغبة في الاقتصاص، وانتزاع الحق باليد؟ أم أنها نتيجة فقدان الثقة في المحاكم المغربية أو الأمن الوطني؟
وخلاصة القول، أن هذه الآفات السلوكية الاجتماعية، كيفما كانت دوافعها ومبرراتها، لا تخدم مصالح المواطن، ولا المجتمع المغربي. وتزداد خطورتها عند اللجوء إلى التوظيف السيئ لشبكات التواصل الاجتماعي، من أجل استصدار أحكام مسبقة، أو انتزاع اعترافات أو الحقوق بالقوة، أو الاستغلال السيئ للسلطة والنفوذ بهدف النصب والاحتيال. لأن كل هذه السلوكيات وغيرها، تعد جرائم يعاقب عليها القانون، ومكانها على منصات المحاكم المغربية وليس التواصل الاجتماعي.
ع . الحراق